كنت و ما زلت ممن يؤمن بأن خطابات فخامة الأخ الرئيس مما يصب الزيت على النار لا مما يساعد على إحلال السلام و نشر ثقافة المحبة و الولاء الوطني وتنمية الإنسان اليمني، و في أغلب خطابات فخامته ما يؤكد ذلك، و آخرها و ليس لها آخر، خطابه أمام ثلاثمائة من شباب مديرية ردفان الباسلة، و ما كان لردفان أن تتصدر الاهتمام و الأولوية بهذا النشاط التوعوي السلطوي لولا التطورات الأخيرة، التي تحمل دلالات سلبية و أخرى إيجابية!
بعد أن وزع لقب "فيروس الخنازير" على مخالفيه في خطابه -أواخر مايو الماضي- بالمركز الثقافي بمحافظة تعز، مشيداً بالمحافظة و أبنائها و رجالها و وحدويتها، ارتدّ مؤشر المناكفة السياسية إلى المحافظات الشمالية، عبر اتهامها باحتضان الانفصال، بصورة أو بأخرى، كانت مفهومة أنها موجهة للقاء المشترك و قياداته، و منهم حميد الأحمر و أنشطته الأخيرة، و خطابه الأخير في محافظة عمران، و في الخطاب الرئاسي دلالة مؤسفة على طريقة التعاطي مع الخلاف السياسي، فأن تتعرض للخصم السياسي كنِد سياسي و مناور حزبي غير أن تفعل ذلك كرئيس و حاكم لكل اليمنيين، و لكنه الارتباك الذي يتعامل بجدية مستَفَزَّة و استباقية مع أي صوت مخالف قد يصدر من هنا أو هناك!
إن إشكالية "الدعوة للانفصال" معروفة المصادر و الجهات، و بإمكان الطفل الصغير أن يحدد الجهة التي تدعو للإنفصال، و ليست المشكلة هنا، بل ان مكمن المشكلة هو أن القضية التي تتمحور عليها "الدعوات الإنفصالية" تتحدث عن نظرة مادية برغماتية لا ترى في الجنوب إلا ثروة نفطية و معدنية و سمكية، فيما تتضاءل المساحة الخاصة بالثروة البشرية، مثلها مثل المناطق الشمالية!.
هناك حديثٌ شديد اللهجة عن الإنسان و ماذا قدمت له الدولة قياساً بما أخذت منه، و أخذت ما حوله، و ما تحته!، أين الإنسان الجنوبي؟! و كاتب السطور يصحح السؤال: أين الإنسان اليمني؟!
إذا شعر الإنسان -في الجنوب و الشمال- بآدميته و قيمته الحيوية لدى دولته و حكومته و حاكمه فحتماً ستتغير المعادلة، أما أن يتحول المسؤولون إلى تجار يبيعون ما تحت المواطن و ما فوقه و ما حوله فلننتظر الأسوأ!
إن الناس يقادون إلى أسوأ الخيارات بفعل الفوضى العارمة التي مصدرها غياب الدولة و تغييب وظيفتها الحقيقية المعنية بحياة الإنسان الذي هو محور التنمية و أساسها..
ومضة:
مما رويَ في التاريخ أن عمر بن عبدالعزيز كتب إليه أحد ولاته يطلب منه أن يحدد له ميزانية لترميم المدينة التي يتولي أمرها, ويبني حولها سورا يحصّنها به، فكتب إليه الخليفة عمر بن عبدالعزيز قائلاً: بل حصّنها بالعدل, ورمّمها بتنقية طرقها من الظلم.